30 - 06 - 2024

تباريح | الذات الرئاسية !!

تباريح | الذات الرئاسية !!

(أرشيف المشهد)

  • 26-8-2015 | 16:36

في أول مارس 1983 ، بدأت الأهرام سلسلة مقالات استمرت على مدى ثلاثة أسابيع  للكاتب الكبير توفيق الحكيم بعنوان "حديث مع الله" وأرفقت المقالات المنشورة بصورة كاريكاتورية للكاتب واقفا فوق سحابة في السماء وقد تناثرت تحت قدميه بعض الكتب، بينما وضع إحدى يديه في جيبه، ورفع الأخرى في الفضاء ، وفي المقال قال الحكيم إنه أجرى حوار مع الله - أو خيل له - وأن الله سبحانه وتعالى قال له : "قل على لسانى ما تشاء. وأنت تعلم أولا أنه ليس لى لسان مثلكم. ولكن انسب وتخيل وألف" وواصل الحكيم قائلا: سمعت ردًا من الله ، أو خيل إلىّ ذلك .... وهذا يجعلنى أعتقد أن الله قد سمح أخيرًا أن يدخل معى في حديث".

ثارت ثائرة كبار رجال الدين ، العظام وقتها ، اشتد غضب الشعراوي فدعا إلى مناظرة مع الحكيم ويوسف إدريس وزكي نجيب محمود ، وكتب خالد محمد خالد وصلاح أبو اسماعيل ، وغيرهم من العلماء المشاهير، مقالات تطفح غضبا على اعتبار أن ماحدث نوع من "إسقاط المهابة لله تعالى" وأن الحكيم وضع نفسه "مرة موضع المخلوق ومرة أخرى موضع الخالق".

انتفض المجتمع كله ، ومع ذلك ظلت الأهرام تنشر وكأن ضجة لاتحدث وصخبا لايصم الآذان يملأ البلاد.

استدعت الذاكرة ذلك ، حين تدخلت مؤسسة الأهرام ذاتها بعد ثلاثة وثلاثين عاما من هذه الواقعة ، لتمنع طباعة صحيفتين في أسبوعين متتالين ليس لجرأة على الله ، جل في علاه ، ولكن لمجرد أن الأولى (صوت الأمة ) نشرت موضوعا بعنوان "أحزان الرئيس" تناول زيارته لوالدته في المستشفى ، وأغلب الظن أنه موضوع إنساني من الدرجة الأولى ، فرئيس تحرير الصحيفة يعرف بمواقفه المؤيدة - وأحيانا المبررة – لكل خطوة يتخذها رئيس الجمهورية ، ولم يتم الاكتفاء بوقف الطباعة وإنما جرى فرم النسخ ، وكأن الرئيس لايحزن !!.

أما جرم الصحيفة الثانية فلم يكن سوى نشر مقال يتناول شخص محمد بدران وهو ناشط شاب مقرب من رئيس الجمهورية ، بعنوان "كيف تصبح الطفل المدلل للرئيس في تسع خطوات؟" ، وبالطبع لم يكن السبب بدران ذاته ، فهو لاوزن له في عالم السياسة والسياسيين ، وإنما بسبب ورود اسم الرئيس.

لا أريد أن أسقط في فخ المقارنة بين الواقعتين ، فلا مقارنة على الإطلاق بين اجتراء على الله واجتراء على غيره ، ولكن أورد الواقعة للتدليل على انتهاك المقدس دون وجل ، وفرض القداسة على الذات الرئاسية دون حق . فالدستور والقانون يتيحان النقد لكل شخص يعمل بالعمل العام ، كما نقل عن الإمام بن حزم قوله " من عمل بالعموم فليتصدق بنصف عرضه" اي من اشتغل بالعمل العام فليتحمل النقد والتجريح.

لم يقم المصريون بثورتين حتى تصادر صحف لمجرد ذكر اسم الرئيس ، نريد أن نحيا في وطن يتسامح مع النقد ولا يصنع غلالة من القداسة حول شخص ، وفرق كبير ما بين التقدير والتقديس ، هل يعلم السيسي بما يجري ؟ أم أنه يكتفي بتقارير تصور له ما يجري على هوى كاتبها ؟

في الحالتين تكون مصر على خطر عظيم .

مقالات اخرى للكاتب

تباريح | مصر ليست مجرد أغنية!





اعلان